التأخير الزمني Time Dilation
لتوضيح هذه النتيجة رياضياً نستخدم التجربة التي استخدمها أينشتاين لتوضيح فكرته.
افترض أينشتاين أن هناك قطاراً يتحرك بسرعة v، وعلى أرضية القطار يوجد مصدر ضوئي يبعث ومضة ضوئية تسقط على مرآة مثبتة في سقف القطار لتنعكس ثم تعود إلى أرضية القطار مرة أخرى.
سنقوم الآن بمعالجة رياضية بسيطة نوضح فيها كيف يُحسب زمن الحدث بالنسبة لمراقبين أحدهما في القطار والآخر يقف في المحطة. (يرجى النظر إلى الشكلين الموجودين في المرفقات: الأول للمراقب O والآخر للمراقب O')
ولكن يجب أن نوضح ما نقصده بالمصطلحات التالية:
الحدث: هو الفعل تحت الدراسة وللحدث بداية ونهاية، والحدث في تجربتنا هو إطلاق الومضة الضوئية، فبداية الحدث هو صدور الومضة من المصدر ونهاية الحدث هو عودتها بعد انعكاسها.
المراقب: هو الشخص الذي يمتلك أجهزة وآلات قياس دقيقة ليرصد الحدث ويسجل النتائج. ولدينا في تجربتنا مراقبين أحدهما يقف على الأرض (المراقب O) والآخر في القطار(المراقب ‘O) ويعتبر هذا الأخير متحركاً بالنسبة للمراقب الأول وثابتاً للحدث لأنه يتحرك معه وبنفس سرعته. الزمن الذي يقيسه المراقب ‘O
بما أن الزمن هو المسافة التي قطعتها الومضة الضوئية مقسوماً على سرعتها، فإن الزمن الذي يقيسه المراقب في القطار هو:
Δt' = 2d / c
حيث
d ارتفاع القطار.
c سرعة الضوء.
الزمن الذي يقيسه المراقب O
كما يتضح من الشكل، تكون بداية انطلاق الومضة في مكان، وانعكاسها في مكان، وعودتها إلى الأرض في مكان آخر وهذا ما يرصده المراقب O نتيجة لحركة القطار. أي أن القطار يكون قد قطع مسافة قدرها من بداية الحدث إلى نهايته. وكما هو واضح تقطع الومضة الضوئية مسافة أكبر مما تقطعه في الحالة الأولى، وبما أن سرعة الضوء ثابتة (وفقاً للفرضية)، إذا فإن الزمن الذي يقيسه المراقب O يكون أطول من الزمن الذي يقيسه المراقب ‘O.
وتعطى العلاقة بين الزمنين المقاسين في هذين النظامين المختلفين باستخدام تحويلات لورنتز-أينشتاين:
Δt = Δt' / sqrt (1 - v2 / c2 يلاحظ أن:
سرعة الضوء هي أعلى سرعة معروفة وليس هناك جسم يسير بسرعة الضوء أي أن v < c دائماً وهذا يعني أن الكمية تحت الجذر تكون موجبة وأقل من الواحد، إذا فإن الزمن الذي يقيسه المراقب ‘O أقصر من الزمن الذي يقيسه المراقب O. ومن أشهر الظواهر الحقيقية التي تثبت صحة النسبية ظاهرة انحلال الميزونات Meson decay. الميزونات هي جسيمات أولية غير مستقرة تتكون في طبقات الجو العليا نتيجة لامتصاص الغلاف الجوي للأشعة الكونية القادمة من الفضاء الخارجي وتصل إلى سطح البحر بصورة غزيرة. هذه الجسيمات تسير بسرعة 0.998c تتحول إلى إلكترونات بعد فترة زمنية قدرها 2 × 10-6 sec
المسافة التي ستقطعها قبل أن تنحل تساوي 600 متر.
هذه المسافة قصيرة جداً بالنسبة لسمك الغلاف الجوي، ووفقا لهذه النتيجة نتوقع أنها تنحل قبل أن تصلنا إلى سطح الأرض ولكن المراصد الأرضية تؤكد غير ذلك وترصد وجود عدد كبير من الميزونات على سطح البحر! فكيف تفسر هذه الظاهرة؟النسبية لديها الحل….هذه القياسات من السرعة والزمن والمسافة، هي قياسات المراقب ‘O المتحرك مع الميزون، ولكن ماذا عن قياسات المراقبO الثابت على الأرض؟
باستخدام معادلة الـتأخير الزمني نجد أن عمر الميزون كما يقيسه المراقب على الأرض يساوي
31.7 × 10-6 sec
وهذا الزمن أكبر بحوالي 16 مرة من عمر الميزون عندما يكون في حالة السكون أو عندما يقيسه المراقب’O. ومنها يستطيع الميزون المتحرك بهذه السرعة أن يقطع مسافة قدرها 9500 متر.
وهذه هي المسافة التي يقيسها المراقب على الأرض، وبهذا فإن هذه الجسيمات تستطيع الوصول إلى الأرض بالرغم من قصر عمرها وهذا هو تفسير تواجدها على سطح البحر.تكافؤ الكتلة والطاقة Mass Energy equivalent
عرفنا أن الكتلة هي مقدار ما في الجسم من مادة، وعرفنا أيضا أنها كمية ثابتة لا تتأثر بحركة الجسم أو سكونه، ولكن أينشتاين الذي أثبت نسبية الزمان وأثبت نسبية المكان استطاع أيضاً أن يثبت نسبية الكتلة واعتبرها متغيرة تتأثر بحركة الجسم، فكلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته. حيث العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته تعطى بالمعادلة:
m = mo / sqrt (1 – v2 / c2
°m كتلة الجسم في حالة السكون ، v سرعة الجسم
m كتلة الجسم وهو متحرك ، c سرعة الضوء
ويتضح من المعادلة أنه في حالة بلوغ الجسم المتحرك سرعة الضوء فإن الكتلة تزيد إلى ما لا نهاية.
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجارب الملموسة التي تثبت صحة هذه المعادلة، فقد أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة اليورانيوم أو الراديوم (وهي دقائق مادية متناهية في الصغر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء) تزداد كتلتها بما يتفق مع معادلة أينشتاين.
ثم خط أينشتاين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلاً: أنه مادام الجسم يكتسب مزيدا من الكتلة حينما يكتسب مزيدا من الحركة، وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة فمعنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة، أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة. وما لبث أن قدم أينشتاين معادلته التاريخية الشهيرة التي تربط الكتلة والطاقة…
المعادلة التي صنعت القنبلة الذرية على أساسها…
المعادلة التي فسرت سر أزلية وقدم هذا الكون، والسر في أن العدد الهائل من النجوم التي مضت عليها بلايين من السنين مازالت تشع نوراً وطاقة وحرارة دون أن تفنى…
المعادلة التي مكنت العلماء من الإجابة على السؤال الملح وهو من أين تأتي الشمس بطاقتها التي لا تنضب؟…
المعادلة التي فتحت الباب لأبحاث الفضاء وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكناً نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذري…E = mc2
تنص هذه المعادلة على أن مقداراً ضئيلاً جداً من الكتلة يعطي طاقة هائلة، فالطاقة الناتجة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة في مربع سرعة الضوء مما ينتج عنها كمية كبيرة من الطاقة، وهذا هو سر طاقة النجوم وعمرها الطويل. فهي تخسر كمية قليلة جداً من مادتها لتعطي طاقة تمد بها الكون بأكمله. ومن هذه المعادلة أيضاً أصبح من من الممكن حساب ومعرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب بجرامات قليلة فقط من اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت.
وأخيرا يجب القول أن النظرية النسبية لا تتعارض مع المفاهيم والقوانين الكلاسيكية وإنما تعمقها، ولهذا فإنه يجب تحديد الظروف التي يمكن فيها تطبيق المفاهيم النسبية أو المفاهيم الكلاسيكية….
نتصور شخصاً في قطار يسير بسرعة عادية، وقرر أن يصحح الزمن حسب النظرية النسبية خوفاً من أن تكون ساعته متأخرة عن ساعة المحطة، إننا سنضحك من هذا الشخص لأن التصحيح المطلوب لا يعد جزءا متناهي في الصغر من الثانية، أقل بكثير من هزة واحدة من القطار على ساعته. أما الكيميائي الذي يشك فيما إذا كانت كمية الماء الذي يسخنها تبقى ثابتة الكتلة… يحتاج إلى من يفحص عقله، ولكن الفيزيائي الذي لا يأخذ في عين الاعتبار تغير الكتلة في التحول النووي سيطرد من عمله لعدم كفاءته!
لم يتغير أي قانون من قوانين الفيزياء التي اكتشفها العلماء قبل النظرية النسبية ولكن حدود صحة هذه القوانين أصبحت الآن واضحة.
والآن نتساءل هل النظرية النسبية صحيحة؟
الجواب على هذا السؤال هو أن النظرية النسبية في الوقت الحاضر تفسر عددا أكبر من الظواهر التي فسرتها سابقاتها وتفسرها خيرا منها جميعاً وحسبها ذلك الآن. فلقد سيطرت الميكانيكا التقليدية التي وضع نواتها نيوتن زهاء قرنين من الزمن وحققت انتصارات باهرة في الفيزياء وعلم الفلك وستظل دائما مآثر الفكر البشري وأمجاده وما زالت تعلمان في المدارس والجامعات. على الرغم من أن الفروض التي قامت عليها غير صحيحة إلا أنها أعطت نتائج صحيحة قابلة للتطبيق عند السرعات الضعيفة التي لا تقارن بسرعة الضوء. وما إن حلت النظرية النسبية محل ميكانيكا نيوتن إذا بها تنطلق لتسيطر وتسود بين النظريات وتعد أعم وأشمل من قوانين نيوتن التي قد تلتقي معها عند معالجة الأجسام المتحركة بسرعات ضعيفة أي أن القوانين النسبية تؤول إلى القوانين الكلاسيكية عند السرعات المحدودة التي لا تقارن بسرعة الضوء. ولكن ما أن تصبح السرعات قريبة من سرعة الضوء فإن النظرية النسبية تتفوق تفوقاً لا مثيل له وتعد الأفضل والأصلح في هذه الحالة. ولا بد أن النظريات التي ستعقبها ستكون أعم منها وستنجح في النقاط التي قد تخفق فيها نظرية النسبية، ولن تسود هذه النظرية حقبة طويلة الأمد كسابقاتها من النظريات، لأن العلم يقفز من عصر لآخر وسيأتي يوم تزول فيه النسبية فالعلم لا يعرف نظرية نهائية فجميع نظرياته موقوتة بعصورها، مرهونة بأوقاتها، وهذا من أهم عوامل تقدمه.
النسبية والقرآن:
يقول الله سبحانه وتعالى:
(يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمِّا تَعُدُّونَ)تبين الآية أن الملائكة والروح إنما يرتقيان السماء في يوم واحد وذلك اليوم مساوٍ لخمسين ألف سنة عندنا, أي أنه عند انطلاق الأمر من الأرض إلى السماء فإن هذا الأمر يمر عليه من الزمان ما هو قدره يوم واحد في حين يكون قد أتى علينا من الزمان ألف سنة.
ولو أردنا حساب سرعة الملائكة بالقوانين التي أخرجها آينشتاين لوجدنا أننا نحتاج إلى آلة حاسبة دقيقة جداً في الحساب لأن سرعة الملائكة قريبة جدا من سرعة الضوء.
. مع خالص تحياتي...